تسعى المرأة اللبنانية منذ تأسيس لبنان إلى الحصول على حقوقها، فهي تتمتّع بحرية أكثر مقارنة بالنساء في دول أخرى، لكن حضورها في المجلس النيابي لا يزال خجولًا حتى الآن.
وتشكل المرأة في لبنان أكثر من نصف المجتمع، وأحيانًا تصنع هذا المجتمع “الذكوري” بخرقها جدار مركز القرار، حيث تبوأت مواقع مهمة وأساسية في القطاعين العام والخاص بفضل الكفاءات والقدرات العالية التي تتمتّع بها.
فقد بدأ نضال المرأة الإنتخابي في العام 1953 حين منحت حق التصويت في الانتخابات، ووصلت في العام 1963 أول سيدة إلى البرلمان، وهي ميرنا البستاني التي فازت بالتزكية، حيث حلت مكان والدها النائب إميل البستاني بعد وفاته المفاجئة في ذاك العام، وأكملت حينها ولايته النيابية حتى العام 1964.
وفي العام 1991 تم تعييّن نواب بدل النواب المتوفين في انتخابات 1972، كما اتفق عليه في الطائف، فكان أن عينت نائلة معوض نائبة عن دائرة زغرتا بدلًا من زوجها الرئيس الراحل رينه معوض،الذي كان نائبًا عن هذه الدائرة قبل انتخابه رئيسًا.
ومنذ انتخابات 1992، أصبح هناك حضور للنساء في البرلمان اللبناني، بلغ أقصاه في العام 2018 حيث تمكنت ست نساء من الوصول إلى المجلس النيابي (المكوّن من 128 عضوًا) من أصل 111 مرشحة انخرطت 86 منهنّ في اللوائح لخوض الانتخابات، وفي انتخابات العام 2022 يوجد 157 امرأة مرشحة للمجلس النيابي، وانخرطت 118 منهنّ في 64 لائحة انتخابية من بين اللوائح الـــ103 المتنافسة.
توزيع المرشحات
وفقًا لمجلة الدولية للمعلومات فإن اللوائح الثلاث المتنافسة في دائرة الجنوب الثالثة لم تضم أية امرأة، بينما هناك خمس لوائح من بين اللوائح الستة المتنافسة في بيروت الأولى، وتسع لوائح من بين اللوائح الـــ10 المتنافسة في بيروت الثانية ضمت نساء، وكذلك هي النسبة في عدد من الدوائر الأخرى، أما في المتن فقد ضمت ثلاث لوائح من اللوائح الستة مرشحات نساء.
وتبعًا للانتماء الطائفي فإن العدد الأكبر من المرشحات النساء هو من الطائفة المارونية، حيث وصل عددهنّ إلى 35 مرشحة، بينما العدد الأدنى هو من الطائفة الشيعية، وبلغ عددهنّ 15 مرشحة، فيما بلغت نسبة المرشحات من الطوائف المسيحية 58 في المائة من إجمالي المرشحات مقابل 42 في المائة من الطوائف الإسلامية.
جلسة توعوية
ومن أجل توعية المرشحات عقدت جمعية “فيفتي فيفتي”، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الأوروبي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية جلسة تحت عنوان: “المرأة في البرلمان” أعلنت من خلالها عن إطلاق منصة لتسليط الضوء على 157 مرشحة للانتخابات النيابية لعام 2022.
وذكرت الجمعية أنها “تسعى من خلال هذه المنصة، إلى الإضاءة على كافة المرشحات المنسحبات والمنخرطات في لوائح، ليتسنى للناخبين التعرّف على سيرهنّ الذاتية وانجازاتهنّ وانتماءاتهنّ السياسية والتحالفية”، مشيرة إلى أن “تطوير هذا الموقع يستمر إلى ما بعد الانتخابات ليكون مرجعية تتضمن كافة النساء اللبنانيات اللواتي تم تعيينهنّ أو انتخابهنّ في مواقع سياسية ومراكز الشأن العام منذ انخراط المرأة في الحياة السياسية في لبنان عام 1951”.
المرشحة “الثائرة” فرح حداد
المشاركة في جلسة التوعية المرشحة عن المقعد السني في دائرة الشمال الثانية طرابلس فرح الحداد، أوضحت في حديثها لموقع بيروت توداي قائلة: “إننا بحاجة إلى إصلاحات كلية لنجاح المرأة في الوصول إلى المشاركة في السلطة وصناعة القرار، خصوصًا أننا في ظل نظام سياسي فاشل وغير ديمقراطي لا يسمح إلا بمشاركة النساء اللواتي يحظينّ برضا هذه الأنظمة”.
وبدأت الحداد “الثائرة” والمرشحة عن لائحة “التغيير الحقيقي” ثورتها “منذ سنوات على نظام جائر طائفي مسيّس بغيض لا مكان فيه للكفاءات إذا لم تكن منتمية إلى أحزاب السلطة الحاكمة وأتباعها”، ورأت أن “المطلوب تعديل التشريع اللبناني بإسقاط جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والعمل على إدماج الاتفاقيات الدولية التي تزيل التمييز ضد المرأة، رغم توقيع لبنان على الكثير من الاتفاقيات الدولية الخاصة بإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة إلا أنها لم تدمجها حتى الآن ضمن التشريعات”.
عنف أم تنّمر!
وعن تعرضها لعنف أو تنّمر بعد إعلان ترشحها أو خلال نضالها، أكدت الحداد، التي تنتمي أيضًا إلى جمعية “القمصان البيض” على أن “السلطة الفاسدة لن تستطيع أن توقفنا أو تردعنا عن نضالنا لتحقيق مطالبنا والتحوّل إلى دولة تشبه طموحاتنا”، وقالت: “ثورتي ضد كل فئة مجتمعية تعظّم القوي، وتتنّمر على الضعيف، وتحاول إفشال كل ناجح، خصوصًا إذا كانت إمرأة”.
ورصدت مؤسسة “مهارات” بعضًا من العنف الذي تعرضت له النساء على وسائل الإعلام التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي في الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية لعام 2022.
ففي حسابات 23 مرشحة وناشطة في الحقل العام على منصتي تويتر وفيسبوك في الفترة الزمنية الممتدة ما بين الأول من فبراير (شباط) حتى 31 مارس (آذار) من العام 2022، تبيّن أن 101 تعليق وجواب خلال شهر فبراير (شباط) و622 تعليقًا وجوابًا خلال شهر مارس (آذار)، وهو ما يصل مجموعه إلى 723 تعليقًا تضمن عنفًا إلكترونيًا ضد المرشحات والناشطات في الحقل العام على منشورات وتغريدات على حساباتهنّ الشخصية على فيسبوك وتويتر.
وحلّ التنّمر الإلكتروني في طليعة أشكال العنف الإلكتروني ضد المرأة في السياسة، ويليه التعنيف بناء على الشكل ثم المضايقات والتهديدات ذات الطابع الجنسي، فالتحيز ضد المرأة والتهديد والتخويف.
وختامًا، في بلد لا يهتم بحقوق أبنائه ولا يعير لنسائه أدنى الحقوق، يبدو أن النضال النسوي سيبقى مستمرًا وسيتضاعف أكثر حتى تنال المرأة اللبنانية حقوقها وتخرق جدار الصمت.